من طرف الاميرال الإثنين أكتوبر 17, 2011 2:26 am
أينما ذهبت و أينما حللت أرى أمام ناظري مشهدا قد أصبح جزءا لا يفارق الناس ذهابا و إيابا إلا أنني لا أطيقه: أرى الكثير من الناس رجالا و شبابا و حتى نساء و فتيات و طلبة مدارس قد أمسكوا بأيديهم لفافة من ورق محشوة بالتبغ لا يتعدى طولها عشر سنتمرات و هم يتلذذون بتدخينها و كأن بها شفاء من كل داء و هم يقينا يعلمون أنها ليست بدواء بل هي داء مقيت ابتليت به النفوس و استفحل شرها إلى حد لا يطاق.
قضيت ليلتي متعجبا من ذلك الفعل ، فخطر ببالي أن أمسك إحدى هذه السجائر و أتأملها. الحق أنني لم أر فيها ما يبهج الناظرين ، بل كان مظهرها يبعث على الاشمئزاز. و بينما أنا كذلك إذ سمعتها تناديني، ثم دار بيننا الحوار التالي.
- كيف استطعت ان تحكمي سيطرتك على أناس بالغين مدركين و طولك لا يتعدى هذا الحجم؟
- هذا ليس ذنبي بل ذنب قومك؛ فهم من يزرعونني و هم من يجعلون مني هذا المظهر.
رأتني هذه السيجارة و كأنني غير راض عما قالته لي.
- اعلم أيها الإنسان أن بي من المكونات ما لو جمعت في إبرة يحقن بها وريد أخيك لقتلته فورا.
- و لماذا تفعلين انت و أخواتك به ذلك ؟
- لأنه أراد أن يجمع المال و كأنه أصبح له عبدا يأتمر بأمره. إن أخاك يعلم أنني ضارة لا أملك له أي نفع. فلماذا يقبل على شرائي و ينسى أمورا أكثر نفعا في حياته؟
- هل يوجد في العالم كله منتج غيرك قد كتب على غلافه إنه مضر بالصحة؟
- لا .
- هل يقول المرء بسم الله عندما يتناولك كما يتناول الطعام و الشراب ؟
- لا .
- أمن المعقول ان يدوس رجل عاقل بقايا طعام نافع كما يدوسك بعد ان يفرغ منك ؟
- لا .
صرخت بها قائلا : فلماذا تفسدين على الناس معيشتهم و تصرفينهم عن أداء الحقوق؟ لماذا تغرينهم بشراء ألوانك المختلفة الزاهية التي تحمل في ثناياها ناقع السم الزعاف؟ أفلا تكفين عن أفعالك الشائنة و ما تتسببين به من إتلاف المال و الصحة و المجتمع كله؟
ضحكت السيجارة قائلة: ليس لك الحق أن تلومني ؛ فلو بدأت بنصح إخوتك المدخنين و صرفهم عن تناولي لما عرف التاريخ شيئا يدعى السيجارة. فهلا شرعت بنصحهم أيها الإنسان ؟
ما إن اختفى صوتها حتى أيقنت أنها محقة تماما فيما قالته . فلا عتب عليها إذن ولكنها النفس البشرية التي تأبى إلا الوقوع في المحظور و مخالفة أمر الله تعالى. " .... إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ..... "