من طرف الاميرال الأحد أكتوبر 16, 2011 7:45 pm
( المشهد الثامن )
( يظهر الراوي قائلا : وهكذا سنرى كيف يذهب بايرون إلى الحكيم ميغادس ليكون له العون و الأمل في أزمته النفسية . فلنستمع إذن إلى الحوار الذي جرى بينهما و ما أملاه الحكيم ميغادس من نصائح على بايرون )
( يضاء المسرح على كهف فيه رجل عجوز هو الحكيم ميغادس . ينظر في أوراقه و كتبه ، وبعد قليل يضعها جانبا )
ميغادس : يا لعظمة العلم! إنه لمن أهم الأشياء التي تشغل بالي طوال حياتي هذه ، و مع ذلك فإنني شغوف بما جديد . ( في هذه الأثناء يأتي بايرون و يقف عند باب الكهف و هو يرتدي محفة ، فيشعر به ميغادس ) هل هناك أحد يريد الدخول ؟
بايرون : نعم . هل لسيدي أن يأذن لي ؟
ميغادس : على الرحب و السعة .
بايرون : أشكرك يا سيدي .
ميغادس : لا بد أن الجو بارد في الخارج .
بايرون : نعم .
ميغادس : إذن فاستدفىء يا بني .( يستدفىء بايرون ثم يقلب نظره في الكهف ) .
بايرون : لعل هذا هو المكان الصحيح .
ميغادس : عن ماذا تتحدث يا بني ؟
بايرون : سيدي ، هل أنت الحكيم ميغادس ؟
ميغادس : نعم .
بايرون : إذن ، فأنت هو الحكيم العظيم الذي سمعت أن العلم و الحكمة يفيضان عنك دون توقف .
ميغادس ( مبتسما ) : لعلك جئت تبغي شيئا أعلمك إياه .
بايرون : نعم . هذا هو ما جئت من أجله يا سيدي .
ميغادس : قبل ذلك ، هل لي أن أعرف من أنت ؟
بايرون : سأخبرك الآن يا سيدي . إنني بايرون ابن الإمبراطور الراحل ستيفن .
ميغادس ( مندهشا ) : الإمبراطور بايرون ؟!
بايرون : نعم .
ميغادس : بلا شك ، فأنت تشبه أباك ستيفن و جدك بايبن .
بايرون : نعم يا سيدي.( يتعانقان ، و بعد ذلك تمتلىء عينا ميغادس بالدموع حزنا ) ما الذي يحزنك يا سيدي ؟
ميغادس : لا شيء يا بني ، غير أنني عندما عرفتك تذكرت أباك و جدك الذين أدين لهما بحياتي ؛ فهما من حفظا كتبي و أمرا الناس بالتعلم مني . و لولاهما لعاشت الإمبراطورية في غياهب الجهل .
بايرون : بل الفضل يعود إليك يا سيدي. ( يجهش بايرون بالبكاء )
ميغادس : ما الذي يبكيك يا بني ؟
بايرون : سأخبرك الآن يا سيدي.
ميغادس : أخبرني يا بني .
( يطفأ المسرح إلا على مكانين : المكان الذي يجلس فيه بايرون مع الحكيم ميغادس ، و المكان الذي يظهر فيه الراوي الذي يخاطب الجمهور : و كما ترون الآن فإن بايرون يحدث الحكيم ميغادس عن ما جرى له منذ أن أصبح إمبراطورا ، مرورا بانتصاراته على أعدائه ، ثم زواجه ، ثم ارتيابه بأصحابه حتى قتلهم ، ثم رؤيته إياهم في منامه و ما أشاروا عليه )
( يضاء المسرح بعد أن ينهي بايرون الحديث عن قصته . ينهض الحكيم ميغادس ثم يمشي مفكرا لوقت طويل ، و بعد ذلك يجلس مقابل بايرون )
ميغادس : لعلك لم تعرف حقيقتك جيدا يا بني .
بايرون : وكيف ذلك يا سيدي ؟
ميغادس : دعني أوضح لك ذلك . إنك ما إن وصلت إلى الحكم حتى حسبت نفسك قد أصبحت في مرتبة عليا ، و لعل انتصاراتك هي التي أغرتك بذلك ، فتناسيت ما قلته عن العدل و المساواة وعندما رأيت أن ملكك قد أصبح عظيما أصبحت تخاف على نفسك .
بايرون : نعم يا سيدي .
ميغادس ( معاتبا ) : ولكنك حتى تستشفي من أوهامك ذهبت إلى تلك العرافة اللعينة التي أعرفها جيدا ، فما زادتك إلا خبالا و أفسدت بمن أحببت و انتهى الأمر بقتلهم ، أليس كذلك ؟
بايرون : بلى يا سيدي .
ميغادس : إنني أتساءل محتارا في أمرك : لماذا لم تأت إلي منذ أن أحسست بما يريبك ؟
بايرون ( ندما ) : لست أدري يا سيدي .
ميغادس : لقد تسرعت كثيرا يا بني ؛ لأنك صدقت ما قالته لك تلك الكاذبة، و لذلك فقد فقدت أصحابك و أصبحت في حالة يرثى لها لولا أنك جئتني في الوقت المناسب .
بايرون ( نادما ) : أنت على حق يا سيدي ، فأخبرني ماذا أفعل ؟
ميغادس : استمع إلى ما سأقوله لك الآن و افهمه ؛ فهو نافع لك مستقبلا حتى لا تقع في مثل هذه الأخطاء القاتلة .
بايرون : إنني مستمع إليك يا سيدي ، و لسوف أعمل بما تشيره علي .
ميغادس : أشع العدل بين الناس يحببك شعبك ، و إياك أن تظن نفسك أفضل منهم ؛ فأنت مثلهم و إن كنت الإمبراطور ؛ فلقد أجمعوا على حبك و الإخلاص لك ، فامنحهم ما تحب ، ولا تستمع إلى الكاذبين من أمثال تلك العرافة ، و كن رحيما مع عدوك ، و اجتهد في الدعوة إلى السلام ؛ فهو أثمن ما في الوجود . ( يبكي بايرون ، ثم يعتنق الحكيم ميغادس شاكرا ) .
بايرون : أشكرك يا سيدي ؛ فلقد قدمت لي الدواء الشافي .
ميغادس : لا عليك يا بني . إن بابي مفتوح لك و لغيرك ما دمت حيا أرزق .
بايرون : إن لي مطلبا آخر يا سيدي .
ميغادس : و ما هو ؟
بايرون : أريدك أن تأتي معي إلى القصر لأفيد من علمك و خبرتك .
ميغادس : كلا ، مع أنني أستطيع القدوم .
بايرون : و لم لا يا سيدي ؟
ميغادس ( ضاحكا ) : أنسيت للتو قولي بأن تمنح ما تحب لشعبك ؟
بايرون : لعلك تقصد أن يستفيد الآخرون مثلي ؟
ميغادس : هو ما أقول .
بايرون : فما ترى ؟
ميغادس : أرى أن تجعل لي ساحة خاصة يجتمع فيها إلي محبو العلم ، و احرص على أن تكون أولهم .
بايرون : لك ذلك يا سيدي . ( بعد لحظة يغضب بايرون ) ولكن لي انتقاما يجب علي تنفيذه .
ميغادس : لعلك تريد أن تنتقم من تلك العرافة ؟
بايرون : نعم . أقسم أنني لأحرقنها أمام الناس جميعا جزاء لما قامت به من جعلي شقيا معذبا ، و لأجعلن منها عبرة لمن على شاكلتها من الزنادقة المفسدين .
( انتهى المشهد الثامن )