( المشهد السابع )
( يظهر الراوي على المسرح مخاطبا الجمهور : و هكذا فقد رأينا الفراغ المؤلم الذي بدا يشعر به بايرون بعد أن فتك بأصحابه على النحو الذي شاهدناه . و رأينا كذلك كيف بدأ يفقد راحته و كيف بدأت معاناته ندما على ما فعله . فلنشاهد الآن كيف يغدو بايرون مريضا مرضا لا يرجى شفاؤه و كيف يرى أصحابه بعد ذلك في منامه )
( يضاء المسرح على غرفة نوم بايرون الذي يكون مسجى على سريره متأوها و بجانبه الطبيب . في هذه اللحظة تدخل مالموريا و بصحبتها راشيل و الإمبراطور كلوديان و ماري ، عندئذ ينهض الطبيب )
مالموريا : كيف حاله أيها الطبيب ؟
الطبيب : شر حال . لم أجد في حياتي إنسانا يعاني مثل معاناته .
كلوديان : و مم يشكو ؟
الطبيب : الغريب أنه لا يشكو من مرض ما .
ماري : و كيف ذلك ؟
الطبيب : إنه يشكو من شيء يؤلم ذهنه .
راشيل : لعله يشكو فقدان أصحابه .
الطبيب : نعم ؛ فهو لم يتردد قط عن ذكرهم ، و سمعته مرارا و هو يناشدهم بالرجوع إليه .
ماري : لا أدري ما الذي حدث لك يا ابن أخي . ( تجهش بالبكاء ) .
الطبيب : لقد فعلت ما بوسعي ، و لعل مواساتكم له قد تخفف من محنته .
( يغادر الطبيب فيأتون حول سرير بايرون . يستيقظ بايرون و هو حزين ).
بايرون : آه لما فعلته بكم يا أصحابي .
مالموريا : إنني معك هنا يا ولدي. إن رحلوا عنك فنحن معك .
بايرون : و كيف أعيش من بعدهم ؟ لقد قتلتهم بيدي هاتين ، فبئس ما فعلته .
ماري : تذرع بالشجاعة يا ابن أخي ؛ فما زلنا معك .
بايرون : لا أستطيع يا عمتاه .
راشيل : لا تقل هذا يا بايرون ؛ فلديك أمل .
بايرون : لا ، لم يبق لي أمل . أشعر كأن الموت أرحم لي .
راشيل ( باكية ) : وا حسرتاه عليك يا عزيزي . ( تستمر في البكاء حتى تبكي معها أمها ثم تخرجان ) .
كلوديان : أعرف مدى شعورك بالذنب ، ولكن كن على ثقة بأن عافيتك ستعود إليك ، فتحل بالصبر . ( يسكت بايرون هنيهة ) .
بايرون : قد تكون على حق فيما تقوله ولكنني لن أراهم ثانية . ( يبكي بألم ) لقد يئست من الحياة ؛ فهي من دون من أحب سوداء و معتمة .
مالموريا : كلا يا بني ، إنك لم تيأس .
بايرون ( بحسرة ) : و كيف يا أماه ؟ إن حياتي الآن في جحيم .
مالموريا : لا عليك يا بني . أرى أن تستريح ، و لعل قسطا من النوم قد ينسيك بعض ألمك .
( تخرج مالموريا و معها كلوديان ثم تطفأ الأضواء . يظهر الراوي مرة أخرى قائلا : و الآن فلنطلع على حلم بايرون الذي يرى فيه أصحابه الثلاثة و كيف يتصرفون معه على نحو يشعره بالندم و يجعله طالبا المخرج من هذه المحنة . عندئذ يخبرونه بأن عليه أن يذهب إلى الرجل الحكيم ميغادس الذي يمكن لبايرون أن يعتمد عليه لتخليصه من هذه العقدة )
( يظهر بايرون وحده في مكان معتم ليس فيه أحد )
بايرون : هل من أحد هنا ؟ أجيبوني . ( يسمع صوت العرافة ) .
العرافة : لعلك الآن قد وجدت راحتك .
بايرون : أنت ؟ ( تظهر العرافة ) .
العرافة : أنا التي صنعت لك هذا المعروف .
بايرون ( غاضبا ) : سأقتلك أيتها الحقيرة .
العرافة ( باستهزاء ) : لماذا ؟ ألأنني أردت إنقاذك ؟
بايرون : كلا أيتها الخبيثة ؛ إنك أدخلتني في متاهة لا مخرج لي منها .
العرافة : حسنا ؛ فلتتعذب كما تشاء .
بايرون : إنني لن أخلص من هذا العذاب إلا بقتلك .
العرافة : أرني ذلك إن استطعت . ( يستل بايرون سيفه ) .
بايرون : الآن سأزهق روحك ( يهجم عليها فتختفي من أمامه ) أين أنت ؟ لن تهربي من عقابي . ( تظهر مرة أخرى ) .
العرافة : أنت ناكر للجميل ، و لذلك فإنك تستحق هذا العذاب الذي أنت فيه. ( تختفي العرافة ، فيصرخ بايرون غاضبا ) .
بايرون : أين تهربين ؟ ( يرمي سيفه بعيدا ثم يصرخ بألم ) ويلي .....ويلي . سحقا لي و لصنيعي هذا ، ما الذي فعلته ؟ ( بعد قليل يسمع بايرون أصوات أصحابه ) .
لافوروس : لقد فعلت فعلا شائنا ما كان عليك القيام به .
بيشاي : و سفكت دماءنا خدمة لأهواء زائفة .
كيبيرا : و الأكثر من ذلك أنك تظن نفسك أفضل من الناس كلهم رغم محبتهم إياك . ( يظهرون )
بايرون ( فرحا ) : لا أصدق ما تراه عيناي . ( يحاول معانقتهم ، ولكنهم يتجنبونه ) .
لافوروس : إليك عنا ؛ إنك لم تعد ذلك الإنسان الذي كنا نحبه . ( يحاول مرة أخرى ، فيعرضون عنه مجددا ) .
بايرون ( مخاطبا كيبيرا ) : قل شيئا يا كيبيرا ، أنت أخي و صديقي .
كيبيرا : ماذا لدي لأقوله لك ؟ ( يعرض عنه ، عندئذ يتراجع بايرون إلى الوراء ، ثم يجثو نادما ) .
بايرون ( حزينا ) : فهمت الآن ، لقد جئتم لتقتصوا لأنفسكم مني .
بيشاي : كلا ، لقد جئنا لنعلمك درسا عليك أن تفهمه جيدا .
بايرون : إنني مستمع لكل ما تقولونه . ( يتقدم لافوروس ) .
لافوروس : ما الجناية التي فعلتها حتى تريق دمي يا بايرون ؟ أظننت حقا أنني أريد قتلك ؟ أنسيت قسمي لك ؟ إنك لست ذلك الإنسان الذي أعرفه؛ لأنك كنت طيبا لا تظن السوء بالآخرين ، ولكن خوفك على نفسك دفعك إلى التخلص منا . رغم سوء ما قمت به يا بايرون إلا أنني أصفح عنك من صميم قلبي . ( يتقدم بيشاي )
بيشاي : أهكذا تفعل بنا يا بايرون ؟ و ماالدافع الذي جعلك تقدم على ما قمت به ؟ تكذب علي بشأن ولدي الذي قتلته بحجة الخيانة ؟ إنك تعلم تماما أننا مخلصون لك ، و مع ذلك فإنك قابلتنا بالسيئة . حقا لا أدري ما الذي حل بك . أراك الآن جاثيا متألما من هول ما فعلت ، و إكراما لأبيك الذي كان صديقي الحميم فإنني أسامحك عما فعلته بنا . ( يتقدم كيبيرا )
كيبيرا : لم أنكر في حياتي التي عشتها معك أنك إنسان تحب الأوفياء ، و لم أنس أنك اتخذتني أخا و صديقا، ولقد كنت أراك إمبراطورا نبيلا . ولكن لم يدر في ذهني أنك تبدلت إلى إنسان يخاف على نفسه و ملكه و يشك بمن حوله و إن كانوا أحب الناس إليه . إن طعنتك التي قتلتني لم تؤلمني ، بل إن ما آلمني هو انقلابك إلى إنسان يعتد بنفسه كثيرا ، حتى بلغ بك الأمر أن تنسى شعبك. فعليك أن تنقذ نفسك من الأوهام يا بايرون ، و لا تنس ما وعدت به شعبك الذي أولاك ثقته و أحبك كثيرا. ( يرفع بايرون رأسه و يراهم قد قاربوا على الإختفاء )
بايرون : ولكنكم لستم معي ، فكيف لي أن أنقذ نفسي ؟
أصحابه : كلا ، إن ذهبنا من الوجود فهناك رجل عظيم خير منا .
بايرون : أخبروني عنه .
أصحابه : إنه حكيم ينبع من عنده نور العلم و لا يضن على أحد يأتيه سائلا .
بايرون ( بلهفة ) : و من هو هذا الحكيم ؟
أصحابه : إنه الحكيم ميغادس . ( يذهبون ) .
( يضاء المسرح ، حيث يظهر بايرون صارخا في منامه ، فتأتيه أمه و زوجته و حموه و عمته )
مالموريا ( فزعة ) : هون عليك يا بني ؛ لعله حلم مزعج .
بايرون : كلا يا أمي ؛ إنه الأمر الذي فيه خلاصي .
كلوديان : و كيف ذلك ؟
بايرون : أخيرا سأنسى ألمي و أحزاني .
كلوديان : أمتأكد مما تقوله ؟
بايرون : نعم . ( تمتلىء عيناه بالدموع ) إنني مدين لكم أيها الأصحاب ثانية .
راشيل : أتقصد أنهم قد سامحوك ؟
بايرون : ليس هذا فحسب ( يخاطب أمه ) أمي ، أتعرفين أين يسكن الحكيم ميغادس ؟
مالموريا : نعم ، ولكن ما علاقته بهذا الأمر ؟
ماري : إنني أعرف الحكيم ميغادس . إنه حكيم مشهور لطالما كان الناس يستشفون بحكمه و مآثره ، حتى أن أبي و أخي كانا يستمعان إلى وصاياه النافعة .
بايرون : و من أجل هذا فقد نصحني أصحابي بأن أذهب إليه ليدلني على ما يشفيني مما أنا فيه .
مالموريا : حسنا يا بني ، إنه يسكن في أعلى الجبل القريب من الغابة، ولكن توخ الحذر يا بني .
بايرون : لن تمنعني الصعاب من الذهاب إليه ، و لن يهدأ بالي حتى أراه .
[color=red][center]( انتهى المشهد السابع )
[/center]