من طرف الاميرال الإثنين أكتوبر 17, 2011 2:25 am
بينما كنت أقلب النظر في برامج التلفاز ذات يوم إذ رأيت في إحدى برامجه حلقة مخصصة عن بيوت العجزة و المسنين و ما يلقونه من تكريم و حفاوة من قبل القائمين على تلك البيوت ، إلا أن أسئلة عديدة تبادرت إلى ذهني: لم هذا الأب أو هذه الأم ليسوا موجودين في مساكنهم؟ و كيف طاوعت قلوب أبنائهم أن يضعوا في بيوت المسنين ؟ و ما الذي حملهم على مثل هذا الصنيع ؟ و و و و و
هذه الأسئلة كلها دفعتني لكي أزور إحدى هذه البيوت و أرى و أسمع بنفسي قصص هؤلاء الآباء و الأمهات ، و أكاد أجمع أمري على أن قصصهم كأنما جرت من ينبوع واحد يتدفق بألم و حزن لا مثيل له. فما ذنبهم لكي تتم مجازاتهم على شقاء العمر الذي قضوه في خدمة أبائهم صغارا ؟ أهكذا تكون المكافأة حقا ؟
تبادرت إلى ذهني حينئذ آيات الله تعالى تتلو قوله العظيم : " و وصينا الإنسان بوالديه حسنا ...." و قوله تعالى: " و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما * و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا "
تذكرت أيضا قصة ذلك الرجل الذي جاء إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فأخبره أنه يخدم امه و يحملها أثناء الطواف حول الكعبة و يفعل كذا و كذا و كذا . أتدرون ماذا قال له ابن عمر؟ لقد قال له : " لقد حملتك في بطنها و كانت تتمنى لك الحياة و تحملها و تتمنى لها الممات؟ بالله عليكم أي وصف أجدر من هذا الذي أصفه تجاه أبناء و بنات قد خلت الرحمة من قلوبهم لم يبق فيها مثقال ذرة منها. اهكذا نزعت الرحمة من قلوب البشر؟ إن ما يبعث على السخرية أن يتم تخصيص يوم الحادي و العشرين من آذار من كل عام للاحتفال المزعوم بعيد الأم لأن من وضعوا هذا العيد المكذوب هم أنفسهم من ألقوا أمهاتهم في بيوت العجزة و المسنين لكي يقضوا أوقاتهم كما يحلو لهم في قصورهم مع أزواجهم و بنيهم و بناتهم ، و لم يدروا يوما أن الله تعالى لا ينسى ما يفعله العباد في الحياة الدنيا. فالأم و الأب لا عيد محدد في يوم محدد لهما من العام ، بل حياتنا معهما في كل لحظة و دقيقة و ثانية أعياد مستمرة فهما من يعطفان و يسهران الليالي و لا يرتاح بالهما إلا براحة أطفالهما. اللهم إني أعوذ بك في هذا الزمان الذي أصبح الرجل فيه يكرم صاحبه و يقصي أباه و يطيع امرأته و يعق أمه. أعوذ بك يا رب من قسوة القلوب.
يا من تلقون آباءكم و أمهاتكم في هذه البيوت ..... تذكروا أن الله تعالى يمهل و لا يهمل و من يدري فلعلكم تجلسون في أماكنهم ذات يوم حيث يرميكم أبناؤكم و بناتكم كما صنعتم من قبل ، فتداركوا أنفسكم و اندموا من قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه بكاء و لا ندم.