من طرف الاميرال الإثنين أكتوبر 17, 2011 2:21 am
لقد ذاق حقا حلاوة لقائها منذ ما يقارب الأعوام الخمسة حيث كان يحدوه الأمل بأن تكون شريكة عمره و حبيبة فؤاده ، فلقد تعلقت روجهما سوية و تعاهدا على الوفاء مهما كان الثمن. مضت أيام عديدة كانا يقضيانها سوية في الغابات و على ضفاف الأنهار و تحت النجوم في أجمل الليالي ، فكان حبهما في تلك اللقاءات دافئا و شريفا و بريئا ، حيث كانت لغة قلبيهما هي تلك اللغة التي لا يحسها إلا العاشقون حقا و اللغة التي لا يعقلها إلا من عرفوا حلاوة الحب و الشوق و استهاموا بها . و كانت عيناها كلما وقعت على عينيه نزلت من محاجرها دموع الغرام الدافئ فلا يتمالك نفسه من البكاء صامتا خشية أن يحسدهما كل ما هو حولهما من الخلق ، فكانت لسان حاله تقول : لا أستطيع أن أتركك لحظة واحدة لأنك بمثابة الروح من قلبي.
بدا عليها فيما بعد الهزال و الضعف ؛ فهي لم تستسغ أن تضع لقمة في فمها أو أن تشرب شربة ماء ، فازداد قلقه عليها و أراد أن ياخذها إلى المشفى لكنها أومأت برأسها أن لا يا حبيبي؛ لا أريد ان أموت بين أيد غير يديك ؛ فأنت حياتي و كل ما أملك من الدنيا .
ثقل رأسها في حجره فأرسلت من عينيها دموعا كانت تبدو دموع فراق طويل سيقاسيه وحده من بعدها ؛ فقد استبد بها المرض و ثقل عليها كثقل الجبال أو أشد ، فلم يملك نفسه من البكاء بصمت فأحس بيدين ناعمتين باردتين تتحسسان خديه فوقعت عيناه على عينيها فانسابت دموعهما في آن واحد ولكنها كانت تبتسم ابتسامة لا يستطيع الواصفون تتبع رونقها و بهائها ؛ ذلك انها قالت : " كم تمنيت أن أموت بين ذراعيك فالحمد لله على ذلك. " ثم مالت يدها مرتخية فأدرك حينئذ أنها قد ماتت.
مضت عليه بعد ذلك سنوات أحس أن كل يوم فيها أشد قتامة و مرارة من الآخر ، فلم يخالط أحدا و لم يكن له من أنيس سوى قبرها ، فكان يلصق خديه بأحجاره و يبكي ساكنته بكاء الثاكل وحيدها حتى كان ذلك اليوم الذي ما زال يبكيها فيه حتى خرجت روحه و بقي جسده ملازما لذلك القبر.